‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مختارة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مختارة. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 5 يناير 2012

"هلوووسة" فوزية! علي سالم بن يحيى



علي سالم بن يحيى
هناك كثيرون من البشر يتلذذون في تعذيب غيرهم بطرق شتى، لكن أشدها مرارة استخدام الغباء، ومحاولة حشوه في عقولهم، كي يسيرون بنفس طريقة التعذيب، وإيصالهم حافة الجنون أو المقبرة، من حقهم طرح وجهات نظرهم، وحقاً لهم علينا احترامها، ما نتمناه عليهم فقط احترام عقولنا، والاعتراف أننا ننتمي إلى فصيلة البشر، ولسنا من فصائل أخرى.

وأنا اقرأ مقال "فوزية نعمان" المنشور بصحيفة" المنابر" نقلاً عن موقع "عدن اون لاين" مرت أمامي تلك الخاطرة، وكدت أموت من الضحك في زمن البكاء، وتذكرت حكاية تلك المرأة المصابة بالحول عندما دفنت أبوها بدلاً من أمها!!.
ماذا دهاك أخت فوزية؟
فوزية أرادت أن تفوز بنصيبها من "تورتة" الهجوم على الحراك الجنوبي، وراحت تكتب، وتهذي بما لا تدري، لا أعلم قد تكون مصابة بمرض (الرغي) والكلام عمّال على بطّال فهذا له رأي آخر..عفواً..الجزاء من جنس العمل، ولكل فعل ردة فعل موازية له..ابنة نعمان كتبت مقالاً بعنوان: " بعض الحراكيين ووهم"الهولوكوست"! غمزت ولمزت وأرادت تشبيه قضية الجنوب- بحسب بعض أبنائها- بمحرقة "الهولوكوست" إذ قالت: "حتى يعود اليهود إلى مسرح الأحداث من جديد كان لابد لهم أن يجدوا أو يخترعوا حدثاً يجعل العالم يتعاطف معهم وبالتالي يساندهم في إقامة دولتهم فاخترعوا موضوع المحرقة اليهودية (الهولوكوست)"! ثم الطامة الكبرى ما قالته لاحقاً: "والمتابع لما تمارسه بعض المواقع والقنوات والصحف الإعلامية المحسوبة على الحراك الجنوبي والمتابع لما يكتبه بعض من ينتسبون للحراك الجنوبي يقرأ هذه الرسائل واضحة وهي تسوق قضية الجنوب بهذه الطريقة المزرية عن طريق اختراع وصنع الأعداء - وان كانوا من أبناء الجنوب – فتسوق إن أبناء الجنوب يتعرضون لمحرقة (هولوكوست) جديدة، وإن كان هذا الإخراج سيؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي الجنوبي وسيعمل على إيقاد الفتن والحرائق الاجتماعية بين أبنائه، إلا أن القائمين على هذا المشروع التدميري يعتقدون بالقاعدة الميكيافيلية: (الغاية تبرر الوسيلة).."!.

حقيقة شيء يندى له الجبين، ماذا تريد أن تصل إليه هذه (الفوزية)؟ هي خسرانة بكل المقاييس، لأنها جانبت الحقيقة، وتركت لخيالها الحالم، ليرسم ويرص كم كلمات تظهر على انه مقال صحفي، انطلاقاً من مبدأ "خالف تعرف"!.
بعض الحراكيين كما تقول لم يسوّقوا لقضيتهم العادلة كما ذكرت بطريقة مزرية، الحراك قام على أنقاض مظالم جثمت على رحى الجنوب ردحاً من الزمن، وخرج المارد من قمقمه، ليعلن ثورته الشعبية السلمية على الباطل المفروض بقوة السلاح، وحتى أكون واقعياً، نعم..هناك من أساء للحراك، لكنهم قلة معدودة، لم يصدّروا النواح، ولم يتباكوا على اللبن المسكوب، هناك شواهد ودلائل دالة على الدماء الجنوبية التي نزفت، وهناك شهداء سقطوا في أغلب مدن الجنوب، لم يفعلوا كما فعل اليهود لنجدتهم باصطناع المحرقة كما حاولت تشبيه ذلك، هل تنكر فوزية عدد الشهداء المضرجة دمائهم والمختلطة بالتراب الجنوبي؟ هل تعتقد أن الحراكيين ممثلين بارعين كحال (عبده الجندي)، كي يأتوا بقصص من الخيال، أو (يستلفوا) جثث من ثلاجات الموتى، ويستعينوا بكم قطعة "شاش" وكمية من براميل "البويا" لطلي أجسامهم باللون الأحمر، والصياح والنواح ولطم الخدود على تلك الدماء الزكية المهدرة؟!.
فوزية بمقالها ذلك..تشبه إلى حد كبير كمن يؤذن في مالطا..ويا قلبي لا تتوجع من مقالات كتلك، وحسبي ما قاله الشاعر:  
إذ قالت حذام فصدقوها                 فإن القول ما قالت حذام

مرة أخرى حول القضية الجنوبية /د. عيدروس نصر ناصر





لا أستطيع أن أخفي سعادتي بما قرأته هنا وهناك مما يتعلق بتناولاتي العديدة للقضايا اليمنية المختلفة، وكان آخرها ما كتب من تعليقات وتعقيبات على رسالتي إلى السيد جمال بن عمر حول القضية الجنوبية والمعنونة بـ"القضية الجنوبية ليست قضية مصطنعة"، لكن المؤسف أن أحدا ممن عقب على تلك الكتابات لم يأت بما يقنع الآخرين بأن الصادر عن كاتب هذه السطور كان خاطئا إلا من منطلق ادعاء ما لم يتم التعرض له وتقويل الكاتب ما لم يقله أو ابتزاز الكاتب من خلال نقد أخطاء المرحلة التاريخية ما قبل 1990م، وقد انتقد البعض حكاية الوصاية في حين لم يقل كاتب هذه السطور قط أنه وصيا لكنه يتحدث كمواطن يمني من الجنوب ويعبر عن رأي ورؤية شخصيين لا يشترط على من يقرأهما أن يؤمن بهما، وهنا أود الإشارة إلى الحقائق التالية:

لم يقل كاتب هذه السطور أنه وصي على الجنوب بل بالعكس أن من تطوع للرد كان يتحدث بطريقة، إننا نحن الجنوبيين نريد أو قررنا كذا وكذا، وهنا تماما يتجسد ادعاء الوصاية، أما كاتب هذه السطور فقد قال أنني أرى هذه الرؤية، وللآخرين آراؤهم وهم أولى بشرحها وتبريرها.
لم يقل كاتب هذه السطور أن الشمال هو السبب في ما يعانيه الجنوب من إقصاء وتهميش واستباحة واستبعاد وتحقير منذ 7/7 /1994م بل إنني أكدت دائما أن القضية الجنوبية ليست صراعا بين الشمال والجنوب ولكنها صراعا بين الجلادين والضحايا فحين يكون الجلاد فيه من الشمال وفيه من الجنوب فإن أبناء الجنوب لم يكونوا ضحايا إلا بعد أن استنفد الجلادون جلد الضحايا في كل الشمال.
ومن هنا فقد أكد كاتب هذه السطور مرارا أنه ليس كل الشمال ظالما كما ليس كل الجنوب مظلوما، فما أكثر ضحايا الظلم في الشمال منذ أكثر من ثلث قرن بسبب سياسات هذا النظام الهرم وما أكثر الذين شاركوا في استباحة الجنوب من المحسوبين على محافظات الجنوب، ولكن عندما يتعلق الأمر بنتائج حرب 1994م فإن الجنوب كله كان ضحية وهذا لا يعني أن الشمال هو من أنتج هذه الحرب وعواقبها الكارثية، بل إنه نظام 7/7 الذي استنفد استباحة الشمال فانتقل إلى هناك ليواصل الاستباحة في الأرض البكر التي تصور أنها أرض بلا شعب ينبغي أن تستباح حتى ولو تحت الشعار النبيل الوحدة اليمنية التي أفرغها هذا النظام من كل مضمون نبيل.
كنت مرارا أقول أنه لا يمكن وضع كل الجنوب في مواجهة كل الشمال لأن هذا العمل فضلا عن عدم منطقيته فإنه لا يخدم لا أبناء الشمال ولا أبناء الجنوب بقدر ما يخدم السلطة التي تسببت في معاناة اليمنيين كلهم في الشمال والجنوب على السواء، وإذا كان الشمال ليس مذنبا في مواجهة الجنوب وفي ما يعانيه الجنوب فإن الشمال والجنوب شركاء في مواجهة الطغيان والاستبداد والاستباحة وبالتالي فإن المنطقي هو أن يقف كل أبناء اليمن ضد الظالمين من الشمال كانوا أو من الجنوب وهو ما يستدعي الإقرار من قبل مواطني الشمال ونشطائه المدنيين بمظلومية الجنوب وحقه في استعادة ما سلب منه، واعتراف الجنوب بإن الثورة الشعبية في الشمال هي ثورة ضد الظلم والإقصاء والفساد والاستبداد والتوريث وليست مؤامرة ضد الحراك كما يروج البعض.
كثيرا ما اعتبر البعض أن الحديث عن الجنوب يحمل النزعة الانفصالية وكأنه على من يريد أن يثبت أنه وحدوي أن يقبل بسياسة الظلم والاستباحة وكل الممارسات الاحتلالية التي مارسها نظام 7/7 وإذا ما أشار أحد ما إلى ما يتعرض له الضحايا من معاناة فهو إنما يكرس الانفصال وكأن الوحدة والوحدوية لا تتجسد إلا بظلم الجنوب ونهبه وتدمير كل ما لديه وتسليمه مكافأة للوافدين بعد 7/7/ حتى بعد اعتراف الكثير من هؤلاء بما تعرض له الجنوب من ظلم وإقصاء واحتلال.
يقول البعض أن الظلم موجود في كل المحافظات الشمالية والجنوبية على السواء، ونقول نعم هذا الظلم سوقه هذا النظام وفرضه على الشعب، على مدى ثلث قرن، ونحن ندين هذا الظلم لكن ليس المنطقي أن نعمم الظلم بين كل الناس حتى يتساووا فيه بل المنطقي أن نزيل المظالم أينما وجدت، وقد كان حري بدولة ما بعد 22 مايو 1990م أن تزيل كل سلبيات النظامين الشطريين وتعمم ما هو إيجابي وعادل فيهما، لكن ما جرى هو إزالة ما كان من مزايا للنظام الجنوبي والإبقاء على مساوئه مضافا إليها كل مساوئ الجمهورية العربية اليمنية التي غدت ثابتا من ثوابت الوحدة المدعاة، . . إن الإصرار على ربط الوحدة بالظلم هو ما يجعل الكل يكفر بالوحدة وليس العكس، ومع ذلك ينسى هذا البعض حقيقتين:
1.   لقد كان الجنوب دولة ودخل في اتحاد طوعي مع شقيقه الشمال بالتساوي وبالتكافؤ في الاستفادة من السلطة والثروة لصالح التنمية والاستقرار وتحقيق العدل، لكن جرى الغدر بهذا الاتحاد الطوعي وطرد أحد الشريكين واستولى الشريك الآخر (وهو هنا النظام وليس الشعب) على كل المشروع المشترك، أما المناطق الشمالية المظلومة والتي نتضامن مع أبنائها في النضال ضد الظلم والتهميش فإنها لم تكن قط دولة ولم تدخل في اتحاد طوعي مع من ألحق بها هذه المظالم.
2. إن استباحة الجنوب وإقصائه وتحويله إلى ملحق من ملحقات النظام في صنعا حصل بواسطة حرب غزو شطرية الهدف والمنشأ وما نتج عنها من مخرجات سياسية واقتصادية وثقافية ونفسية وقد كانت الحرب وسيلته الوحيدة، ولئن كان قد حصل ما يشابهه في بعض محافظات الشمال إلا إنه لم يحصل مع أي محافظة شمالية إن استبيحت عن طريق حرب نظامية مباشرة، بل إن عملية الاستباحة والنهب قد تمت عن طريق الألاعيب والخدع والمكائد أو ما يسمى بالترهيب والترغيب، وهو ما جعل التصدي لها في محافظات الشمال أقل حدة ووضوحا، وعندما قامت الثورة الشبابية كانت موجهة ضد رأس النظام بشكل عام ولم تتحدث عن نهب الحديدة وتدمير صعدة وابتزاز تعز واستغلال مأرب وإهمال الجوف، وغيرها بينما يدور الحديث في الجنوب عن دولة دمرت وبالحرب والفرق في كل الأحوال لا يلغي جوهر النظام الاستبدادي القمعي الذي ظلم وأقصى ونهب وقمع الجميع.
لقد ربط البعض تعليقه أو تعقيبه على ما تناولته بالحديث عن سلبيات فترة حكم الحزب الاشتراكي للجنوب مركزين على الإجراءات التي تضرر منها الكثير من المواطنين الجنوبيين وهو منهج ابتزازي فيه الكثير من الإرهاب الفكري الذي لا تخطئه عين بحيث يحمل الكثير من المعاني أهمها أنه: كيف تتكلم عن الأخطاء التي تعرض لها الجنوب في حرب 1994م وما بعدها وأنت تنتمي إلى حزب ارتكب أخطاء أثناء حكمه، وكأن المطلوب من كل من ينتمون إلى الحزب الاشتراكي أن يخرسوا فقط وفقط لأن الحزب الذي ينتمون إليه قد أخطأ أثنا فترة حكمه حتى وإن كان جزء كبير من قياداته التي ارتكبت تلك الأخطاء هي اليوم من صانعي نتائج حرب 1994م وأفرادها اليوم من يقود سياسة الاستباحة التي امتدت لتشمل كل الوطن شماله وجنوبه، وهو أمر لا يستقيم لأن معالجة الأخطاء ينبغي أن يتم بما هو أفصل منها لا بما هو أسوأ منها، أما البعد الثاني لهذه التعليقات فهو أنها تتحمل المعنى التالي: طالما كان الجنوب قد تعرض للظلم أثنا فترة حكم الحزب له فلماذا تمنعوننا نحن من ارتكاب أخطاء مماثلة، وفي هذا الصدد لا بد من إيضاح النقاط التالية:
1. أن كاتب هذه السطور يقر بوجود الكثير من السياسات الخاطئة حصلت إبان فترة حكم الحزب الاشتراكي وأنا لست بصدد إنكارها، وهي إن كانت قد حصلت فإن ما هو أسوأ منها قد حصل في الشطر الآخر من البلد، وإن لم يعترف به مرتكبوه، لكن هذا كله لا يبرر بقاء الجنوب ضحية لمن هب ودب وكأن قدره أن يظل دائما ضحية السياسات الخاطئة.
2. إن كل الأخطاء التي ارتكبت أثناء فترة الحكم الحزب الاشتراكي لم تنجم عن الرغبة في الاستيلاء الشخصي من قبل مرتكبي هذه الأخطاء فلم يذهب قائد واحد من قادة فترة حكم الحزب الاشتراكي وفي رقبته ريالا واحدا من أملاك الآخرين ولم يثر أو يغتني أحد من كبار المسئولين أو صغارهم ومات معظم القادة وهم ساكنين في مساكن إيجار ملك للدولة، وحتى التأميمات التي تمت وهي سياسات خاطئة، لم تهدف استيلاء فرد على حق أخر بل ذهبت كل الأملاك المؤممة لتغدو ملكا للدولة، وليس كما جرى في حرب 1994م عندما استولى المنتصرون على كل شيء ليصبح ملكا شخصيا لهم، وراحوا ينهبون الأرض والمال والثروة والمنشآت بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، وهنا لا بد من الإشارة إلى إنه حتى الناهبين الجنوبيين لم يتعلموا النهب والسلب ولم يدخلو خانة الأثرياء إلآ بعد أن التحقوا بنظام صنعا وصاروا جزءا منه.
تعرض الكثير لسياسة الحزب الاشتراكي أثناء السبعينات والثمانينات، ومع إنني لست بصدد الدفاع عن سياسة الحزب وهي ليست موضوع البحث عن الحديث عن القضية الجنوبية، لكن ما لم يتعرض له هؤلاء أو لا يرغبون في التعرض له أن الحزب لم يدمر دولة الجنوب، بل هو من وحد الجنوب من المهرة إلى باب المندب في دولة واحة لأول مرة منذ مئات السنين، كما إن نظام الحزب الاشتراكي لم يستولي على حق أحد، وإذا ما قال قائل أن الحزب أمم أملاك الأثرياء فهذا صحيح وهي سياسات جرت مراجعتها بعد مايو 1990 لكن النظام فضل الإبقاء على آثارها بعد 1994م رغبة في استخدامها لإثارة العداوات ليس إلا، ولقد مضى على هذا النظام 21 سنة في إدارة الجنوب وهي تساوي تقريبا نفس الفترة التي حكم فيها الحزب الاشتراكي الجنوب فلماذا لم يعالج مخلفات تلك السياسات، لا بل لقد شرع في سياسة النهب والسلب وتوزيع الغنائم على الأنصار وليس على الشعب كما حصل في فترة حكم الحزب.
أما تهمة الانفصال والانفصالية، وثنائية الوحدة والانفصال فلقد سبق لكاتب هذه السطور أن قال مرارا وفي مناسبات مختلفة: إن الانفصال لا يعني بالضرورة إعادة تقسيم الأرض إلى شطرين أو أكثر بل إنه الانفصال النفسي والوجداني والمادي وهو ما يتجسد تماما في السياسات التي اتبعتها السلطة بعد 7/7 /1994م عندما حولت الجنوب إلى غنيمة حرب للمنتصرين بينما تحول المواطن الجنوبي إلى مجرد رقم كمي ينظر إليه باستعلاء وأحيانا بتقزز باعتباره زائدا عن الحاجة، وبالمثل فالوحدة لا تعني بالضرورة ضم الأرض إلى الأرض بل هي وحدة المشاعر والمصالح والوجدان والمستقبل وهو ما غاب تماما بعد حرب 7/7 عندما أصبح المواطن الجنوبي غريبا في أرضه وداره وبين أهله مجردا إلا من البطاقة الشخصية التي لا تعني له شيئا.
إن حديثنا عن القضية الجنوبية لا يثنينا عن الانحياز إلى القضايا العادلة لشعبنا اليمني وسنظل كما تعودنا دوما أنصارا للحق أينما كان وخصوما ألداء للظلم والباطل مهما كانت هوية مرتكبيه وضحاياه، ومن هنا يأتي انتصارنا لثورة الشباب السلمية الرائعة واستعدادنا للامتثال لمتطلباتها ومساهمتنا فيها وتمسكنا بأهدافها ورفضنا الاستنقاص من تلك الأهداف مؤملين أن تمثل الثورة مدخلا لحل القضايا المتراكمة التي خلفها حكم أسرة صالح ومنها وفي مقدمتها القضية الجنوبية، لأننا أيقننا أن الثورة قد أعادت الاعتبار لشعبنا اليمني الأبي وأطاحت بحكم العائلة الذي تحكم في مصير شعبنا لما يقارب ثلث قرن من الزمن الأغبر.
وأخيرا إن القضية الجنوبية هي أعقد وأوسع وأكبر من أن يتم تناولها في عجالة سريعة وفي بضعة أسطر أو صفحات وكم أتمنى على من يرغب في مناقشتها أن يبتعد عن أخذها بمعيار المصلحة التي حققها بفضل حرب 1994م، وأن يعلم الجميع أن أي وحدة قائمة على الإكراه وعدم التراضي والتوافق بين طرفيها ستظل وحدة قابلة للانهيار وهنا تأتي أهمية أن تعبر الوحدة المرجوة عن تطلعات وآمال طرفيها وليس تطلعات وآمال طرف واحد فقط هو المنتصر في حرب 1994م والذي لا يعبر بأي حال كمن الأحوال عن الشعب في الشمال البريء كل البراءة من ممارسات وسياسات علي عبد الله صالح وأزلامه.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
برقيات:
*  ما نشرته بعض المواقع الإلكترونية من ما سمي بمشروع قانون الحصانة جاء مخيبا للآمال باقتصاره على حصانة صالح ومن عمل معه وهو يمثل إهانة ما بعدها إهانة لكل ضحايا نظام على عبد الله منذ الشهيد ابراهيم الحمدي حتى الطفل أنس السعيدي وجميع الضحايا في الشمال والجنوب
*  قال الشاعر العربي العباسي أبو تمام
أأحمدَ إنَّ الحاسدينَ حـــــــشودُ  وإنَّ مصابَ المزن حيثُ تريدُ
فلا تبـــــعدنَ مني قريباً فطالما      طـــــــلبتَ فلمْ تبعدْ وأنتَ بعيدُ
أصخْ تستمعْ حرَّ القوافي فإنها       كواكبُ إلاِّ أنــــــــــــهنَّ سعودُ
ولا تُمْكِن الإِخْـلاَقَ منها فإنَّما        يَلَذُّ لبَاسُ الــــــــبُرْد وهو جَديدُ

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

عن أي وحدة يتكلمون 1 / د . عيدروس النقيب




ما انفكت أجهزة ما تبقى من السلطة الإعلامية والاستخباراتية تردد الأقاويل والتحذيرات (المعبرة عن الخوف على الوحدة) من الثورة ومن الحراك السلمي ومن المتغيرات السياسية والوطنية العاصفة التي تمر بها البلد مصورة أي تغيير للوضع في البلاد على إنه تهديد للوحدة اليمنية، وإن الوحدة في خطر، لتخلص إلى القول بأن الضمان الوحيد لبقاء الوحدة هو بقاء هذا النظام الذي بلغت به الشيخوخة مبلغها، وغالبا ما تسمعهم يكررون أنهم مع المطالب المشروعة لمواطني الجنوب ومع تصحيح الأخطاء التي أتت بها حرب 1994م، بيد إنهم غالبا ما ينهون الحديث بالقول : "لكن الوحدة اليمنية تظل خطا أحمر لا يمكن المساس به"، وهو ما يثير من جديد السؤال الإشكالي: عن أي وحدة يتحدثون، وما هو نوع الانفصال الذي يخيفون الناس به؟

لم يعترف هؤلاء بعد أن الوحدة التي توافق عليها اليمنيون في الداخل والخارج في العام 1990م والتي تم وأدها في حرب 1994م قد صارت انفصالا من نوع مميز وإن الانفصال الذي يهددوننا به قد تم ونما وكبر وأصبح حقيقة لا تقبل الدحض والإنكار من خلال السياسات التي سلكتها سلطة 7/7، والتي حولت الجنوب بأرضه وتاريخه وإنسانه وثروته وتراثه وهوسته إلى مجرد غنيمة حرب بيد الطرف المنتصر، وحتى وإن اعترفوا بأخطاء تمت بعد حرب 94م المشئومة فإنهم يعودون ويتحدثون عن الوحدة المعمدة بالدم، هذا الدم الذي لم يشبعوا منه قط طوال حكمهم الممتد ثلث قرن من الزمن.

لم يقرأ هؤلاء شيئا عن الوحدة في مدارسهم ولم يتعلموها في مناهجهم الدراسية ولم يؤدوا القسم بالعمل من أجلها في طوابير الصباح وأثناء تحية العلم ولذلك فالوحدة بالنسبة لهم هي مجموعة الغنائم التي حققوها بعد حرب 1994م الظالمة على الجنوب حينما تحولوا بين عشية وضحاها من متسولين على أبواب الجيران إلى مستثمرين كبار في كل القطاعات وإلى أصحاب أرصدة مالية في معظم البنوك والشركات والمؤسسات الكبرى كل ذلك من العائدات التي حققوها بفعل نهبهم للجنوب الذي وجدوه ثروة جاهزة بحاجة إلى لصوص ينهبونها بعد أن استبعدوا أهلها، فقاموا بواجب النهب.

هذه الوحدة بالنسبة لهم هي التي في خطر وهي في كل الأحوال المهددة والتي ستظل مهددة طالما ظل الشعب اليمني يطالب باستعادة حقوقه المسلوبة وحرياته المصادرة وكرامته المهدرة، أما أبناء الجنوب فيعلمون علم اليقين أن الوحدة لن تكون مهددة لأنها لم تعد موجودة في حياتهم، فهي قد ماتت منذ يوم 7/7/ 94م عندما تدفقت قوافل القوى الغازية التي استباحت الأرض والسماء والحجر والشجر والبشر والبر والبحر وحولت الجنوب من دولة لها حضورها الوطني والإقليمي والدولي، دولة لها علم ونشيد وشعار وعاصمة وعملة وتاريخ يضج بالكثير من الملاحم التي لا ينكرها إلّا جاحد أو جاهل، إلى مجرد ملحق يتم استحضاره فقط عند الحديث عن المنجزات الوهمية للقائد الفرد النادر الذي لا يتكرر، ولم يأت الزمن بمثاله.

ليس الانفصال هو تقسيم الجغرافيا إلى قطعتين أو أكثر لكنه تمزيق النفوس والوجدان والمشاعر والهوية والانتماء، وهذا ما فعلت سلطة ما بعد 7/ يوليو عندما حولت شخصا طارئا لا يعرف من الجنوب إلا اسمه إلى متنفذ يسطو على عشرات الكيلومترات المربعة يقيم عليها المشاريع العملاقة أو يبيعها على أبناء المحافظات الجنوبية بالمليارات، في حين لا يستطيع ابن عدن أو أبين أو حضرموت الحصول على عشرة في عشرة أمتار لبناء منزل له ولأولاده في أرض آبائه وأجداده ، وأحيانا يضطر إلى شراء هذه الأمتار المجاورة لمنزله من أحد أبطال 7/7 ممن لا تربطهم أية صلة بما تحت نقطة الشريجة وغالبا ما تحت نقيل يسلح.

الانفصال قد تجسد يوم جرى تدمير منشآت ومؤسسات دولة الجنوب من جيش وشرطة وقضاء وسلطة محلية وشركات ومؤسسات اقتصادية، وموارد نفطية وسمكية وزراعية وتحويلها إلى غنيمة حرب بيد المنتصر في حرب 7/7 وبالتالي فأي تهديد بالانفصال هو هو تهديد بما قد جرى وانساب على الأرض وفي الوجدان وأي تباكي على الوحدة هو تباكي على الميت ممن أماتوه وأشبعوه موتا، وكل ذلك ليس إلا حديثا خارج الزمان والمكان،وبعيدا عن السياق المنطقي للأشياء.

وعلى الذين يتحدثون على الخطوط الحمراء أن يعلموا أن سلطة ما بعد 7/7 قد داست على كل الخطوط الحمراء والزرقاء والصفراء والبنفسجية ولم تبق لونا إلا لون السواد الذي يخيم على حياة اليمنيين في الشمال والجنوب والشرق والغرب.

برقيات:

* الذين يستكثرون على أبناء الجنوب المطالبة بنصف البرلمان ومجلس الشورى والمؤسسات السيادية ويقولون أن هذا ظلم للمناطق ذات الكثافة السكانية يتناسون أن الجنوب كان حتى وقت قريب دولة لها صولاتها وجولاتها في الوسطين الإقليمي والدولي.

* وهؤلاء يتناسون أيضا أن الجنوب قد تجرع مرارة الخديعة والغدر على مدى ما يقارب عقدين وأنه لم يعد ولن يعود يثق بأي نظام قادم لا يمنحه حق الإجهار برفضه أو تأييده لسياسات سلطة صنعاء حتى لو كان رئيس هذه السلطة من الملائكة.

* يقول الشاعر العظيم أبو الطيب المتنبي:

أعيذها نظراتٍ مــــــــنك صادقةً أن تحسب الشحمَ في من شحمهِ ورمُ

إذا رأيت نيوب اللــــــــيث بارزةً فلا تظــــــــــنَّنْ أنَّ اللــيثَ يبتــــــسمُ

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

علماء تحت الطلب الأحد / د . عيدروس النقيب




كنت حتى وقت قريب ما إن أستمع إلى مفردة علماء (جمع عالم، أو رجل علم) حتى أشعر بالمهابة والتقدير العاليين تجاه الموصومين بهذه الصفة التي ليس بمقدور كل امرءٍ أن يحوز عليهاـ مع إقراري المسبق أن مفردة عالم تعني كل متخصص في علم من العلوم المعقدة التخصصية التي يستغرق الإلمام بمبادئها (فقط) عشرات السنين، ولا يكفي العمر كله لبلوغ عوالمها اللامتناهية، سواء كان ذلك العلم من العلوم الشرعية أو العلوم الطبيعية، كالفيزياء والفلك والرياضيات والبيولوجيا وتفرعاتها، أو العلوم الإنسانية التي غدت اليوم تتفرع إلى عشرات الأفرع،. . . لكنني اليوم بدأت أشعر بالألم وقد تمت استباحة هذه المفردة المهابة والمحترمة لتتحول إلى سلعة يستطيع أن يشتريها كل من يرغب ويوجهها كما يبتغي ويدفع لأصحابها ما شاء نظير شرائه تلك السلعة ، وهو ما يجعلنا نراجع موقف التوقير الذي ظللنا نتعامل به تجاه من ندعوهم بالعلماء
بالفتوى التي أصدرها عدد من يسمون أنفسهم بجمعية علماء اليمن نكتشف أننا أمام أنواع من (العلماء): علماء العلم وعلماء السلطان، الأولون يحترمون قيمة العلم، أي علم كان ليسخروه فقط في مجال تخصصه لما يخدم البشر والأوطان ولا يخلطون به أمورا لا علاقة لها بهذا العلم، والآخرون يحولون هذا العلم إلى بضاعة تحت الطلب يسخرونها لمن يدفع قيمتها حتى وإن كان من قتلة الأطفال والمجرمين ومستبيحي دماء الأبرياء وبذلك فإن قيمة ما لدى هؤلاء من علم قد تدنت إلى أسفل درجات العلاقات السلعية.
لو إن هؤلاء لديهم علم يريدون به إصلاح أمور الدنيا لكان بإمكانهم منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة أن يقولوا رأيهم، ونحن نعتبره رأي لا علاقة له بالدين والشر ع باعتبار الدين يمتلك درجة من السمو والقدسية لا ينبغي إنزالهما إلى درجة الأشياء الدنيوية المدنسة والمتغيرة والقابلة للتعديل والتحسين والتطوير أو حتى للتشويه، لكن هؤلاء انتظروا حتى طلب منهم الحاكم تقديم ما لديهم من بضاعة ليشتريها منهم في سوق المزاد ويسخرها في حربه الإجرامية ضد الشعب وأبنائه.
العلم أي علم سواء كان طبيعيا أم إنسانيا، ينبغي أن يخدم الإنسان في مواجهة متلطبات الحياة وتعقيداتهاـ أما عندما يغدو العلم أداة من أدوات القمع والاستلاب والتنكيل والقتل فعندئذ ينعدم الفرق بينه وبين الممنوعات والسموم وأي بضاعة غير شرعية من تلك التي تسوقها عصابات المافيا وتجار المهربات.
يا هؤلاء: هل سألتم أنفسكم وأنتم تقفون أمام ضمائركم (على افتراض أن لديكم ضمائر تعمل ومشاعر تحس) هل سألتم أنفسكم أي كوارث ستترتب على ما قدمتم من مبررات للقتل والتنكيل وقصف القرى وتصفية الخصوم السياسيين بحجة الخروج على ولي الأمر وهل نسيتم قول الرسول الكريم: "أن من أعظم الجهاد عند الله قول كلمة حق أمام سلطان جائر"؟ وهل هناك جور أكثر من قتل الأطفال وتدمير المنازل فوق ساكنيها، وتجويع الشعب على مدى أشهر، واستباحة دماء المسلمين، وفتح أجواء وأراضي الوطن للأجنبي يفعل ما يشاء دونما حسيب أو رقيب، والأهم من هذا هل تحول الجهاد إلى مروق يجب أن يقتل كل من يتبناه؟ وأخيرا، إذا ما صحت فتواكم هذه هل المطلوب من ثوار سبتمبر أن يعتذروا لآل حميد الدين بسبب الوقوف في وجههم، والإطاحة بهم في العام 1962م باعتبار ذلك خروج عن طاعة ولي الأمر؟، وإذا كانت المظاهرات محرمة فكيف سمح لأنصار الحاكم بالتظاهر وتحريمها على خصومه؟
يا هؤلاء هل تعلمون أن فتواكم ستغدو مبررا لكل عملية قتل أقدم عليها نظام علي عبد الله صالح، منذ مقتل الحمدي وعيسى محمد سيف، حتى حرب 1994م على الجنوب وحروب صعدة الست فحادثة جمعة الكرامة ومذبحة الأسبوع الأخير من سبتمبر 2011م، والسؤال الأهم أين ستذهبون عندما تواجهون أولادكم وأحفادكم الذين منهم من يؤيد الثورة الشبابية السلمية، ويرفض أن يأكل من الريالات التي حصلتم عليها لقاء فتواكم الحربية هذه؟
برقيات: 
*   زج الدين في السياسة برهن على أن هناك من يستطيع أن يستخدم الدين لتبرير الشيء ونقيضه وهنا تبدو أهمية عدم الزج بالدين في قضايا السياسية.
*   بفتوى العلماء يبرهن هؤلاء إنهم علماء تحت الطلب وإنهم مستعدون اليوم أن يفتوا بما يطلب منهم وسيفتون بالغد بما يطلبه منهم من سيأتي إلى كرسي الحكم حتى وإن تناقض مع ما قالوه اليوم.
*    قال الإمام الشافعي رحمه الله:
كلما أدبــــني الدهر أراني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي

الأربعاء، 13 يوليو 2011

إلى الشباب الثائر.. أبوس الأرض تحت نعالكم.. وأقول أفديكم / محمد صالح الرويشان



إلى الشباب الثائر المرابط في ساحات التغيير والحرية، وإلى جماهير الشعب المرابطة معهم، لا يملك كاتب هذه السطور بين يدي كلماته المتواضعة أمام روعة تضحياتكم وفدائكم للوطن إلا أن يتمثل مطلع قصيدة الشاعر الفلسطيني توفيق زياد: أحييكم، أشد على أياديكم، أبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم. أيها الأبطال الكرام الأمجاد إن أخوف ما يخافه عليكم محبكم ليس الرصاص أو القوة المفرطة التي يستخدمها نظام الاستبداد والفساد، فقد أثبتم شجاعتكم للعالم وواجهتم الموت بصدور عارية. ولكن السلاح الأقوى بيد أعداء الثورة والمتآمرين عليها في الداخل والخارج هو أن يصير بأسكم بينكم بالتنازع الذي يقود إلى الفشل (لا قدّر الله).

وحتى تنزعوا ذلك السلاح من يد أعداء الشعب والوطن فإن عليكم أن تدركوا أن غريمكم وغريم اليمن واليمنيين هو نظام الاستبداد والفساد لا سواه. ومن استطاع من ائتلافات الشباب، أو أي من مكونات الثورة، أن يمارس الفعل الثوري للقضاء على ما تبقى من هذا النظام، فليفعل دون تردد أو إحجام.

فالثورة تعني الفعل الثوري قبل أي شيء آخر. أما ما يقوم به البعض من تحميل الآخرين مسؤولية حالة الجمود الذي تمر به الثورة، أو توجيه الاتهامات والتخوين لهم والدخول في صراعات معهم، فمثل هذه الأساليب لا تخدم الثورة بالتأكيد. فكل تنازع بين ائتلافات ومكونات الثورة لا يستفيد منه سوى نظام الاستبداد والفساد. وعلينا أن لا ننسى أن مفاتيح النصر ثلاثة هي الرأي والشجاعة والصبر.

لقد أثبتم أيها الشباب ومعكم جماهير الشعب اليمني كذب مقولات الطالح عن اليمنيين حين وصفهم بالثعابين وعن اليمن حين قال إنها قنبلة موقوتة. فقد سمع العالم وشاهد وقرأ عن تحضر شعب اليمن ورقيه بثورته السلمية واستعصائه على الحرب الأهلية. وإن كل الأحرار في العالم يعرفون ويؤمنون بعدالة ثورتكم. تلك الثورة التي قامت بعد أن حوّل الطالح على مدى ثلاثة عقود الجمهورية إلى "جملوكية" مسخ، وباع استقلال اليمن في سوق المزاد، ونهب هو وأزلامه خيراتها وثرواتها، وألبس اليمنيين ثوب الهوان في الداخل والخارج، وحجز لليمن مكاناً ثابتاً في ذيل قائمة دول العالم.

أيها الشباب الثائر: إن التعددية والاختلاف طبيعة بشرية وقانون إلهي فقد قال تعالى: «وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ» وقال تعالى: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً». ولكن مع تلك التعددية وذلك الاختلاف، فإن التفاهم والتعاون ضرورة شرعية وإنسانية ووطنية بكل تأكيد. ومع ذلك فمن رأى أن لأسلوب أو طريقة ما الأولوية والأفضلية فمن حقه أن يرى ذلك وعلينا احترام رأيه واختياره. وعلينا أن لا نغفل على الدوام أن ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا وأن ما نتفق عليه أكثر مما نختلف بشأنه.

ولا شك ولا ريب أن الأولوية في كل المراحل من عمر الثورة هي للفعل الثوري وليست للعمل السياسي، وإلا لما قامت الثورة. وهذه الأولوية للفعل الثوري لا تنفي أهمية التكامل والتعاون بينه والعمل السياسي. غير أنه وقد وصل العمل السياسي إلى طريق مسدود برفض نظام الاستبداد والفساد للمبادرات وإصراره على العناد والمكابرة وانكشاف التواطؤ الإقليمي والدولي مع هذا النظام، فإن الفعل الثوري يكتسب أولوية مطلقة وملحة. وعليكم- أيها الشباب- التقاط زمام المبادرة وفعل ما تستطيعون وفق رؤية وخطة ميدانية صحيحة. ولا تنتظروا إشارة البدء من السياسيين أو أن يكون هؤلاء السياسيون في صفوفكم. فلتبدؤوا ولتنطلقوا، وستجدون حينها أن السياسيين يجرون وراءكم.

إن بروتوكولات الرئيس الطالح التي تمكن من خلالها من الديمومة على كرسي الرئاسة لأكثر من ثلاثة عقود ولدت آليات للتشتيت والدسائس والإرجاف بما يكفل تفريق القوى الوطنية وضرب بعضها ببعض ليبقى متربعا فوق الجميع. والحق أن بعض هذه القوى- مع الأسف- قد خدم نظام الاستبداد والفساد من حيث يدري ولا يدري، وأعان على نفسه وعلى غيره من القوى.

والمرجو والمؤمل منكم- أيها الشباب- التحلي بالوعي ومعرفة الأولويات وتعلم فن إدارة الخلافات والصراعات بالطرق الحضارية. ولا شك أن وجود ائتلافات متعددة في الساحات رغم كونه مفيداً في تنظيم وتنسيق جهود الشباب وجماهير الشعب، إلا أنه ما لم يتنبه القائمون على هذه الائتلافات إلى سياسة "فرّق تسُد" التي يتبعها نظام الاستبداد والفساد، فإن رهان الطالح الأكبر هو ضرب الثورة من خلال تمزيق أواصر التفاهم والتنسيق بينكم من جهة، وبينكم وبين القوى الداعمة والمؤيدة لكم.

وحتى يمكن إفشال هذا الرهان فإن على المنسقيات العليا في كل ساحة أن تحرص على التنسيق والتفاهم مع الائتلافات. والمأمول أكبر من ذلك أن توجد قيادة موحدة للشباب على مستوى الساحات جميعها. فالتنسيق والتعاون مهمان جداً لإنجاز الفعل الثوري الذي يكفل تحقيق أهداف الثورة.

أيها الشباب، إن الفعل الثوري لا يعني حمل السلاح بالضرورة، بقدر ما يعني الإقدام على فعل يحتوي على عناصر الحكمة والشجاعة والتضحية. ولابد أن نسلم أن ذلك الفعل لا يكون إلا بحسب الإمكان والاستطاعة لأن الله لا يُكلف نفساً إلا وسعها، وإذا بذلتم ما بوسعكم فكونوا على يقين أن النصر قريب. والمسألة ليست واحداً من طريقين: إما الحرب الأهلية أو إعلان فشل الثورة، كما يوحي بذلك المستعجلون والمرجفون. بل هناك طريق ثالث يتمثل في الصبر والمصابرة بالحفاظ على سلمية الثورة والإصرار على تحقيق أهدافها.

وكون الثورة سلمية لا يعني أن يتوقع المعتدون على الثوار أن يمارسوا أعمال القنص والبلطجة بحق المعتصمين والمحتجين السلميين دون رد أو دفاع. بل لابد من رد العدوان لردعه وإيقافه عند حده. وفي هذا المقام فإن السلمية في ذمار كما يقول الزميل حمود دغشر "ليست مطلقة المعنى ..بموجب مقتضيات وخصوصيات الواقع الذماري..وهي سلمية اختزلها شاب أشعث حمل عصا غليظة مكتوب عليها «سلمية من حق ذمار»". ومع ذلك فالصبر هو أقوى أسلحة الثوار. ومن كان عاجزاً عن الصبر فهو عن الفعل الثوري أعجز إلا أن يثبت العكس. أما اللوم والتلاوم واليأس والتثبيط والتشكيك في الآخرين وتخوينهم فلا يخدم إلا أعداء الثورة من حيث يدري صاحبه أو لا يدري.

إن التصعيد الثوري مهمتكم- أيها الشباب- وليس مهمة قيادات الأحزاب السياسية. وإذا كان هناك من الشباب من يرجعون إلى القيادات الحزبية وينسقون معها فهم وما اختاروه وما ارتضوه لأنفسهم. وإذا كان بإمكان غيرهم من الشباب المستقل عن تلك القيادات فعل شيء، فعليهم أن يبادروا إلى ذلك. مع التأكيد على أولوية وأهمية التنسيق والتعاون بقدر الإمكان، والبعد عن الغيظ والتلاوم والصراع الذي لا يخدم الثورة ولا يحقق أهدافها. لقد سمعنا وقرأنا كثيراً من الشكاوى المريرة عن خضوع قطاع من الشباب لسيطرة الأحزاب.

فإذا كان هؤلاء الشباب أقلية فما معنى الوقوف عند رأيهم أو انتظارهم! وإذا كانوا أغلبية، فلابد حتى يتحرك الجميع وفق طريقة معينة تراها الأقلية أن تكون الأغلبية مقتنعة بأهمية التحرك وفق تلك الطريقة، ولا يمكن إرغام أحد على فعل شيء إذا لم تتوفر عنده القناعة. وفي هذه الحالة إما أن ينزل البعض على رأي الكل أو أن يقوم البعض بفعل ما يقتنعون به ويثبتوا للآخرين سلامة طريقتهم، وحينذاك فستكون لهم الأولوية وسيلحق بهم الآخرون. أما الدخول في صراع وتشكيك وتخوين أو تصور أن من يختلفون معنا في الرأي مجرد أتباع لقادة الأحزاب (اللقاء المشترك) فذلك لن يتقدم بالثورة خطوة واحدة. أرجو أن تكون المعادلة واضحة.

لقد ضربتم- أيها الشباب- رغم المعاناة ورغم أن طموحكم أكبر مما تحقق حتى الآن، أروع الأمثلة في التنظيم والالتزام بسلمية الثورة ومدنيتها والحفاظ على حيويتها واستمراريتها، كما ضربتم أروع الأمثلة في التضحية والفداء ومواجهة الموت بصدور عارية. ولا شك أن من فعلوا ويفعلون كل ذلك لجديرون بأن يحققوا المزيد وهو النصر المبين.

فرغم تحقيق الثورة كثيراً من المكاسب الهامة، إلا أنه ليس من المعقول أن يظل الثوار يراوحون في مكانهم. فلابد من التصعيد والحسم. ولابد في سبيل ذلك من التضحية. وإن حقكم وحق شعبكم في الحياة بحرية وكرامة لجدير بالتضحيات. أسأل الله أن يحفظكم ويسدد على طريق النصر خطاكم.

خواتيم الثورة اليمنية أمريكا والسعودية تلعبان بجسد محترق

بقلم: محمد بن المختار الشنقيطي



امتاز اليمن من بين دول الجزيرة العربية بارتباطه بالمد الثوري العربي منذ منتصف القرن العشرين. فكانت أولى موجاته الثورية "ثورة الأحرار اليمنيين" على الإمام عام 1948. وقد اندلعت الثورة اليمنية الحالية يوم تنازل الدكتاتور المصري حسني مبارك عن السلطة، تأكيدا لبقاء الأواصر الثورية القديمة بين مصر واليمن. وقد تم وأد الثورات اليمنية المتلاحقة، فاغتال الإمام ثورة 1948، واغتال علي صالح ثورة 1963 وقتل ميراثها، حينما حولها إلى شعار فارغ يشرِّع الظلم والأثرة.

ولم تكن الشروط الفكرية والاجتماعية ناضجة لثورة ناضجة آنذاك، ولذلك أمكن وأد الثورات اليمنية، وظلت أعراض الاستبداد والفساد بادية على الجسد اليمني على مر العقود.. أعراض لخصها الشهيد محمد محمود الزبيري في بيتين، يصدُقان على اليمن اليوم كما صدقا عليه بالأمس، لكن بشرط واحد بسيط، وهو استبدال (الإمام) الذي كان يحكم اليمن منذ أربعين عاما بـ(الرئيس) الذي يحكمه اليوم:
ماذا دهى قحطانَ في لحظاتهم *** بؤس، وفي كلماتهم آلام
فقرٌ وأمراضٌ وظلمٌ فادح *** ومخافةٌ ومجاعةٌ و(إمام)!

لكن الشروط الثقافية والاجتماعية أصبحت ناضجة لثورة غير موءودة في اليمن، فروح الثورة تجتاح الثقافة العربية اليوم، وقد برهن الشعب اليمني خلال الشهور الماضية على تصميم وحكمة سياسية يحسد عليهما.

وقد كانت المحرقة التي اجترحتها قوات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في مدينة تعز يوم 29 مايو/أيار الماضي مفصلا من مفاصل التحولات السياسية اليمنية. ففي ذلك اليوم اقتحمت قوات صالح ساحة الحرية بالمدينة، وأحرقت الخيام على المتظاهرين، فتفحمت الأجسام النحيلة في مكانها، وجرفتها جرافات السلطة، وكأنها تتعاطى مع ركام من القمامة، لا بشرا من لحم ودم. وكان من بين الحرقى معوقون عجزوا عن الحراك، في وجه آلة البطش ولهيب النار.

لم يتأخر الرد، فبعد خمسة أيام فقط من تلك المحرقة المروِّعة التهمت النيران جسد الرئيس اليمني داخل قصره، والتهمت معه أجساد عدد وافر من قادة سلطته، فدخل اليمن بعدها مرحلة من الغموض السياسي لم تتجل أبعادها حتى هذه اللحظة.

وظهر الرئيس صالح بعد طول غياب بوجه شاحب، وجسم داكن، ويدين مضمَّدتين قد فعلت فيهما النيران فعلها. لكنه لم يُبدِ أي اعتبار بما حدث، ولا أي تقدير لثورة اليمن التي امتد لهيبها حتى اقتحم عليه قصره، بل بدا الرجل هو نفسه معاندا أخرق، وسياسيا بليدا، يجهل منطق الثورات وقوة الشعوب.

ويبقى السؤال: ما الذي يحمل الرئيس اليمني، وقد تآكل قسط كبير من سلطته في أتون الثورة، واحترق قسط كبير من جسده في لهيبها، وفقد احترام شعبه واحترام العالم، أن يكابر لهذا الحد وإلى هذه اللحظة؟ وما الذي يمنع ثورة اليمن من حسم أمرها كل هذه المدة المديدة؟ لقد تضافرت عدد من العوائق الداخلية والإقليمية والدولية، فعضَّدت من عناد الرئيس اليمني، وحالت بين الثورة والحسم حتى الآن. وأهم العوائق الداخلية ثلاثة:

أولها: حرص صالح وأقاربه على عدم التنازل لغرمائهم السياسيين، فهم لا يريدون السماح لهؤلاء بالكسب من ثورة الشعب مهما كلف الثمن. وما أكثر الغرماء السياسيين الذين يحملون إحساسا عميقا بالغبن جراء تقديم صالح لأقاربه في الولايات والأموال، فابنه أحمد تحول إلى سياسي ورجل أعمال وضابط عسكري في لمح البصر، ومثله ابن أخيه يحيى الذي تحول في برهة رجل أعمال ثريا، فقائدا أمنيا، دون أدنى مراعاة لمعايير الأحقية والمهنية.

ومن هؤلاء الغرماء أبناء الشيخ عبد الله الأحمر، الذين قرؤوا المزاج الشعبي في اليمن قراءة دقيقة، وسارعوا إلى دعم الثورة. ومن بينهم حميد الأحمر الذي لم يكن يخفي مطامحه السياسية ونقمته على صالح منذ أعوام خلت، فكانت الثورة الشعبية فرصة له لتجسيد ذلك عمليا.

ومن غرماء صالح الذين لا يريد التنازل لهم اللواء علي محسن الأحمر، وهو ليس من أسرة الأحمر المذكورة، لكنه معروف منذ مدة بأنه غريم لنجل الرئيس أحمد وعدو سياسي له. وهي عداوة ترجع إلى أسباب مركبة، لعل منها إحساس اللواء الأحمر بأن صعود أحمد السياسي والعسكري لم يكن عن جدارة، وأن إعداده لوراثة السلطة كان تجاوزا للتراث الجمهوري اليمني الذي يعتز به اليمنيون كثيرا.

ثانيها: ضعف المبادرة لدى الأحزاب السياسية اليمنية، وهو أمر يرجع إلى عقود من التدجين تحت سلطة الرئيس صالح، وبعض الارتباطات المحلية والإقليمية لدى قادة بعض الأحزاب.
لقد كان من المتوقع أن تبادر الأحزاب اليمنية إلى ملء الفراغ الذي تركه غياب صالح للاستشفاء، بتشكيل مجلس وطني وبناء سلطة موازية. لكنها اكتفت بالتوسل لنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي أن يضطلع بدوره الدستوري، رغم أن الرجل ليس له من الأمر شيء.. ولم يكن في يوم من الأيام أكثر من ظل ضئيل لعلي صالح، وهو اليوم مظلة لنجل الرئيس وابن أخيه.

ثالثها: توازن الرعب القائم بين القوات العسكرية الداعمة لصالح، وأهمها الحرس الجمهوري بقيادة ابنه والأمن المركزي بقيادة ابن أخيه، وبين القوات الداعمة للثورة، وأهمها الفرقة التي يقودها اللواء محسن الأحمر، لأن العاصمة صنعاء تدخل ضمن سلطتها، نظريا على الأقل.

وقد استفاد الثوار اليمنيون من هذا التوازن في منطقة صنعاء، حيث لم يعد في وسع أقارب الرئيس ارتكاب مذابح في وضح النهار، على شاكلة مذبحة جمعة الكرامة. لكن هذا التوازن جمد الجبهة، وجعل الدعم العسكري الذي حصل عليه الثوار دعما رادعا للخصم، وليس دعما رافعا لوتيرة الثورة إلى الحسم.

أما العوائق الخارجية المانعة من حسم الثورة اليمنية حتى الآن فهي أدق وأخفى من العوائق الداخلية، وأهمها النفوذ المالي السعودي، والاستثمار الأمني الأميركي.

وهما وجهان لعملة واحدة، فليس لدى السلطة السعودية خيارات إستراتيجية مستقلة عن المظلة الإستراتيجية الأميركية التي تستظل بها المملكة منذ سبعة عقود، حتى في أقرب الأمور مساسا بالشعب السعودي، مثل قضية اليمن، رغم أن المكان والإمكان يلحان على السعودية بالانحياز إلى شعب اليمن، وعونه على استكشاف ممر آمن إلى الحرية، لمصلحة البلدين والشعبين.

لا تتعامل السلطة السعودية مع اليمن في العادة باعتباره دولة، وإنما باعتباره مجموعة قبائل تسعى لكسب ولائها بالدهاء والعطاء. وعلي صالح من هذا المنظور مجرد رأس قبيلة من القبائل اليمنية العديدة. ولا يقتصر النفوذ المالي السعودي على الموالين لصالح، بل يشمل معارضيه أيضا. فالمجلس الوطني للقبائل الذي تموله السعودية يقوده الشيخ حسين الأحمر، وهو من معارضي علي صالح.

ويمكن إجمال أهداف السلطة السعودية في اليمن في اثنين: أولهما أن تبقى السلطة في اليمن ضعيفة وتابعة لها ماليا ودبلوماسيا، ويظل اليمن محكوما برجل عسكري يعمل "شاويشا" لدى السلطة السعودية، يحمي لها حدودها الجنوبية، ويتولى عنها بعض الملفات القذرة، مثل ملف الإرهاب.

وثانيهما ألا توجد سلطة ديمقراطية مستقلة عند خاصرتها الجنوبية، يمكن أن تؤوي معارضين سعوديين، أو تلهم الشباب السعودي المفعم بالحيوية، الذي تزداد الهوة بينه وبين القيادة السياسية الشائخة والقيادة الدينية الجامدة في بلده.

أما الولايات المتحدة فمما تحرص عليه اليوم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من استثمارها الأمني في اليمن منذ هجمات 11 سبتمبر إلى اليوم. فاليمن بموقعه الجغرافي بين السعودية والصومال وأفغانستان، وبما يتصف به شعبه من تشبع بالروح العسكرية والإسلامية يمثل لدى الأميركيين لغزا مؤرقا.

ويبدو أن الأميركيين بنوا في اليمن وجودا أمنيا كثيفا في العقد الأخير بالتعاون مع علي صالح، وهم يدركون أن الثورة اليمنية –شأنها شأن أي ثورة حقة- ستنسف ذلك البنيان، ولن ترضى بالاختراق الأمني والسياسي، إذا أرادت أن تبني دولة مستقلة القرار.

وهناك هدف أميركي أكبر، وهو تعويق الثورات العربية عموما، وعدم السماح بالقطف السهل لثمراتها، لأسباب سياسية وإستراتيجية كثيرة، أهمها تلطيخ النموذج، وإرغام الشعوب إلى الاستنجاد بالغرب، حتى يكون الغرب شريكا في صنع الثورة، أو توجيهها، أو حتى اغتيالها.

لقد كانت ثورتا تونس ومصر فلتة خرجت من أيدي الأميركيين والأوروبيين دون أن يجدوا وقتا للتخطيط والتدخل السياسي. أما الثورات التالية فقد أعدوا لها خطط التأجيل والتعويق. ومن دوافع التعويق الدفاع عن الأطراف خوفا على القلب. فتعويق أميركا للثورة اليمنية جزء من دفاعها الإستراتيجي عن نفوذها في الخليج، خصوصا في السعودية التي هي حجر الزاوية في الجزيرة العربية.

ومنطق الجغرافيا السياسية الذي يفهمه الأميركيون جيدا يدلهم على أن السلطة السعودية، بمصر ديمقراطية غربها، ويمن ديمقراطي جنوبها، ستكون في مأزق حقيقي. أما الجمع بين النفط والحرية فذلك أمر حرام على سكان الجزيرة العربية في الشريعة الإستراتيجية الأميركية.

وتبدو خواتيم الثورة اليمنية متجهة إلى أحد مسارات ثلاثة:
أولها: تصعيد جريء في صنعاء يخرج الثورة من روتينها الحالي، ويفرض على الأحزاب الانخراط في فعل الثورة وصناعة البديل. ويكون هذا التصعيد في شكل زحف هادر على القصر الرئاسي وأهم مفاصل الدولة في صنعاء، ولا يتوقف إلا بعد انهيار سلطة علي صالح وأقاربه، وقد يكون هذا المسار أفضل البدائل وأقلها ثمنا، رغم أنه لن يتم من غير دماء وشهداء.

وثانيهما: البدء الفوري في بناء سلطة موازية في المحافظات التي ضعفت فيها سلطة صالح وأقاربه، وتعبئة القوى السياسية والاجتماعية خلفها. ثم طلب الاعتراف الإقليمي والدولي بها فيما بعد، وهو اعتراف مضمون إذا نجحت تلك السلطة الموازية في كسب الشعب اليمني. ويتعين بعد ذلك البدء في تفكيك سلطة صالح عسكريا عبر مسار قريب من المسار الليبي، إلا أن لدى اليمنيين من السلاح والخبرة القتالية ما ليس لدى الليبيين.

وثالثها: حدوث حدث طارئ وغير متوقع يقلب المعادلة العسكرية والأمنية الحالية، مثل انضمام كتلة كبيرة من الحرس الرئاسي والأمن المركزي إلى الثورة، أو هجوم على الممسكين بزمام هذه القوات من أقارب صالح، شبيه بالهجوم على الرئيس صالح في قصره. ويمكن حدوث هذا المسار بالتوازي مع المسار الأول، حينما يدرك حماة صالح أنهم يخوضون معركة خاسرة ضد شعبهم.

تدرك السلطات السعودية والأميركية أن علي صالح قد أصبح في خبر كان، لكنهما لا تمانعان من اللعب بجسده المحترق وعنترياته الخرقاء لعبة نفسية وإعلامية، هدفها التأجيل والتعويق، عسى أن يقبل الثوار اليمنيون بنصف ثورة، تبقي على جزء مهم من البنية السياسية والأمنية المخترقَة، وتستنزف طاقة الثورة وعنفوانها، وتلطخ النموذج الثوري الديمقراطي في بلدان أخرى، هي أهم في الحساب الأميركي من اليمن.

ويبقى على الثوار اليمنيين أن يدركوا لعبة الأمم، ويحسموا الأمر بأيديهم قبل خمود وهج الثورة، فلكل ثورة نفَس يطول ويقصر، لكنه لا يدوم. وفي كل الأحوال فإن خروج اليمن من مأزقه، والوفاء لدماء الشهداء، يستلزمان عدم الرضا بثورة موؤودة جديدة في اليمن.